أوقات الأحساس بالوجود مع الله


ما هي أوقات الإحساس بوجود الله ؟

متي تشعر النفس بأن الله موجود معها ؟

في الحقيقة , من ضمن الأوقات الأساسية التي نحس فيها بوجود الله معنا :

1- أوقات الضيق والتعب :

وقت الضيق وهو وقت الأحتياج الي الله . وفيه تشعر بوجود الله , أكثر مما تشعر في وقت الراحة أو المتعة . تشعر في الضيقة بيد الله كيف تتدخل وتعمل وتنقذ .... يعقوب أبو الأباء , بدأت خبراتة الروحية في وقت الضيقة . لم نسمع له عن خيرات روحية ولا مناظر ولا رؤي في بيت أبيه , ولا صراع مع الله , ولا وعود الهية ولا تغيير لإسمة .... ولكن لما قال عيسو " أقوم وأقتل يعقوب أخي " ( تك 27 : 41 )

وهرب يعقوب من وجه أخية هنا بدأ يشعر بوجود الله في حياته .. وفي هروبه وضيقتة رأي السلم الواصلة بين السماء والأرض , ورأي الملائكة صاعدة ونازلة عليها , وسمع صوت الله يقول له " ها أنا معك , وأحفظك حيثما تذهب , وأردك الي هذه الأرض " ( تك 28 : 10 – 15 ) وبدأت ليعقوب سلسلة من الخبرات الروحية في الحياه مع الله .

وأمثلة لأنبياء كثيرين :

الثلاثة فتية تمتعوا بوجود الله معهم , وهم في أتون النار . ودانيال النبي شعر بعمل الله لأجله وهو في جب الأسود . وبطرس الرسول لمس يد الله معه وهو في السجن ويوحنا لم يبصر تلك الرؤيا العظيمة , إلا وهو في الضيقة , منفياً في جزيرة بطمس . وتلاميذ الرب أبصروا يدة معهم , لما اضطربت وهاجت الريح , فأتاهم في الهزيع الأخير من الليل , وانتهر الرياح .

حقاً , حينما لا توجد حلول بشرية , نبصر يد الرب تعمل . أحياناً , لما يرتفع الإنسان في مركزه , يختفي عمل الله من قاموسة . ومن الجائز أن تجد في هذا القاموس كلمات الشهرة والمال والعظمة والمركز , أما كلمة الله فتكون عزيزة . ولكن حينما تحل الضيقة تتعلق عيناه بالرب إلهه . ربما في قوتنا , نعتمد علي قوتنا . وفي الشدة نختبر الرب . يقول الرب " أدعني في وقت الضيق , أنقذك فتمجدني " . كذلك ضرب الصخرة التي فجرت ماء , وكذلك السحابة المظللة .

2- أوقات الصلاة والتأمل :

 الأوقات الروحية مناسبة جداً للشعور بالوجود في حضرة الله . وهكذا ما كان يحسة آباؤنا القديسون في خلواتهم ووحدتهم . لذلك كانوا يتركون ضجيج العالم الي البراري , حيث ينفردون بالله . ويشعرون بأنهم وجدوه هناك , وأحسوه في صلواتهم وتأملاتهم .

إن الإنسان يحس وجود الله في الأوساط الروحية , عندما يلتصق قلبه بالله , وتتلامس روحه مع الله .

القديس غريغوريوس أسقف نيصص , كان أثناء خدمته للقداس الإلهي , يبصر الروح القدس علي هيئة حمامة. وأحياناً كان الرب يعلن له من هو مستحقاً للتناول ومن هو غير مستحق .....

وفي وقت الصلاة والتأمل , يشعر الإنسان بالله يملأ قلبه , ويشعر بأن الله يحيط به , كما يشعر أنه واقف أمام الله يكلمه . أنظروا كيف أن المسيح يقول " حيثما أجتمع اثنان أو ثلاثة بإسمي , فهناك أكون في وسطهم " .

هذا الشعور بأن الله في وسطنا , هو شعور روحي يشعر به الإنسان في وقت الصلاة .

لهذا كانت لأجتماعات الصلاة قوتها وتأثيرها , ولهذا كانت لليالي الصلاة وسهراتها فاعلية عميقة داخل النفس وقوة غير عادية ......

الذي يشعر بلذة الصلاة , وبوجود الله معه في الصلاة , لا يجب ان ينتقل من جو الصلاة الي أي جو أخر بعيد عنها . ولو انتهت صلاتة قد يظل واقفاً ولو صامتاً , يعز علية ان ينزع نفسة من هذا الجو الروحي ... ولو يقول عبارة واحدة : لا اريد يا رب ان اتركك لعمل أخر ولا اريد ان اختم الحديث معك , لكي أتحدث مع أحد سواك ..... ومن هنا كانت الصلاة الدائمة ليست كعمل تعصبي او مجرد تدريب , إنما رغبة في البقاء مع الله أطول وقت .

3- الأماكن المقدسة :

إن جو الكنيسة والأماكن المقدسة , يشعرك بالوجود مع الله , أكثر من شعورك في أي مكان أخر ..

ولهذا نجد إنساناً روحياً مثل داود النبي , يستطيع أن يكون روحياً في أي مكان ويتمتع بالله . إلا أنه مع ذلك يقول " مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات . تشتاق وتذوب نفسي للدخول الي ديار الرب . قلبي وجسمي قد أبتهجا بالإله الحي " . إن زيارة لمكان مقدس , لدير , لمغارة قديس , لكنيسة قديمة , قد تكون لها تأثيرات روحية عميقة داخل النفس . ولهذا يحدث أحياناً كلما أحس الإنسان باحتياجة الي دفعة روحية قوية , يقوم بزيارة لمكان مقدس , ترجع اليه الشعور بوجود الله معه , أو بوجود ه أمام الله , فيلتهب قلبة , لمجرد نظر البناء , أو لمجرد نظر أيقونة معينة لها تأثير في النفس , أو لمجرد تذكر أن قديساً معيناً عاش مع الله في هذا المكان . وإن أجتمع تأثير المكان , وتأثير العمل الروحي معاً , فإن هذا يكون أنفع جداً ....ز بل هناك أمكنة تدفع الأنسان دفعاً الي الصلاة , أو تعطية عمقاً خاصاً في صلواته .

علي أن الوجود في الحضرة الإلهيه قد لا يأتي سببه منا وانما من زيارة النعمة لنا , في وقت لا نعلمة , أو لا نتوقعة , أو لم نعد أنفسنا له ...

4- وقت لا نعلمه :

حقاً , كما قال الرب في الأنجيل المقدس " إن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة " ( لو 17 : 20 ) .

الروح يهب حيث يشاء . نحن لا نعلم متي يتحدث الله الينا , متي يعلن لنا ذاته , متي تزورنا نعمته , متي نجد أنفسنا أمام الله ... أنما في وقت لا نعلمة , يعمل الله في قلوبنا من حيث لا ندري ويشعرنا بوجودة . وهكذا فعل مع القديسين . مثل صموئيل النبي وهو طفل , ما كان ينتظر مطلقاً أن يكون له حديث مع الله , أو يختارة لرسالة معينة أو لنبوة , ولكنة وجد نفسة أمام الله في وقت لا يعلمة ولا يتوقعة ..

في وقت غير معروف , تفتقد النعمة قلب إنسان فتشعلة كما هو مطلوب منه , أن يتجاوب ويستغل الفرصة .

أنت لا تدري متي يطرق الله علي بابك . كل ما تدريه أنك إن سمعت صوته لا تقسي قلبك , بل أفتح بابك مباشرة , وتقول له في حب تعال أيها الرب يسوع . إنه ليس بجهدنا نكون مع الرب , إنما بحنانه وجوده . من أجل محبتة لبني البشر , من أجل عدم مشيئته أن يموت الخاطئ . من أجل رعايته وعنايته وأبوته , يفتقدنا بوجوده معنا , حتي دون طلب منا .

تبارك الرب في عظم محبته . له المجد من الأن والي الأبد آمين .

                                                                                                               البابا شنودة الثالث